جريمة قتل / للأستاذ محمود زكي علي /

جريمة قتل..!! : قصة كاملة..

بقلم : م/محمود زكى على

أتمنى أن تنال إعجابكم..

                            الفصل الأول: دموع

كانت الساعة تقترب من الخامسة  مساءا  عندما استقل رجل الأعمال ( كمال سالم) سيارته وأخذ يتجول بها في طرقات المدينة كما هي عادته المفضلة كل يوم.

لاحظ (كمال) إن أحوال وطباع وسلوكيات  الناس قد تغيرت ..

حتى أنه أخذ يتساءل عن السبب..!!

هل هو غلاء المعيشة...؟!!

أم هو ضعف القيم والأخلاق مما أدى إلى انتشار الفوضى...؟!!

أوقف (كمال)  سيارته بجوار ذلك الكوبري الذي يعلو سطح النيل ...ثم غادرها وجلس على استراحة من تلك الاستراحات المنتشرة على طول الكورنيش...

كان يراقب الناس في مجيئهم وذهابهم وللحظة تمنى أن يعرف ما الذي يفكر فيه كل شخص ...!!

كانت الشمس قد بدأت تميل إلى المغيب والناس تتحرك في سرعة للوصول إلى هدفهم  قبل حلول الظلام...

وشرد عقله يفكر ..

إن الناس دائما في صراع من أجل البقاء..

كلهم ينظر إلى المستقبل في خوف وترقب وقلق ..

الكل يفعل ما عليه من اجل ضمان حياة مستقرة  وكريمة لأسرته ..

كانت تلك الأفكار تدور في رأس (كمال) عندما جذب انتباهه أمر عجيب..!!

كانت هناك فتاه ترتدي ملابس سوداء وتحمل فوق يديها طفل ...

كان الطفل يبدو من بعيد كما لو أنه حديث الولادة فقد كانت أمه تغطى وجهه خوفا عليه من الأتربة والغبار..

ولم يكن هذا هو ما جذب انتباهه فحسب  ..!!

فقد لاحظ كمال أن تلك الفتاه تمشى في بطء لا يتناسب مع الحركة النشطة للناس من حولها..!!

ثم إن هناك ذلك الحزن الذي يغمر ملامحها وكأن هناك عزيز عليها قد فقد...!!

كان (كمال) يجلس على جانب من الكوبري والفتاه تسير في الجانب الآخر وفى الوسط تجرى السيارات في   سرعة جنونية ...

وبتلك الملابس السوداء والنظرة الحزينة  والحركة البطيئة بدأت الفتاه تجذب انتباه (كمال) ...!!

ترى من تكون تلك الفتاه؟!!

ولماذا نظرة الحزن التي تبدو على وجهها؟!!

وماذا عن الطفل الصغير التي تحمله؟

إنها تضم الطفل بقوة  وشدة لا تتناسب مع طفل حديث الولادة كما يبدو للوهلة الأولى..!!

هل توفى زوجها مثلا؟

إنه يعلم أن الكل في هذه الدنيا يعانى..
الفقير يعانى..
والغنى يعانى..
الصغير يعانى..
والكبير يعانى..

مهما اختلفت درجات المعاناة
فالطفل الصغير يعانى عندما لا يتحقق له كل ما يتمناه لذا تجده يبكى بحرقة عندما لا يستطيع الحصول على ما يريد..
ولكن مما تعانى هذه الفتاة؟!!

لاحظ (كمال) أن الفتاة قد توقفت بجوا ر الكوبري وأخذت تنظر إلى الماء نظرات شاردة حزينة...
كم تمنى (كمال) لو ترك مكانه وذهب إليها ليواسيها عن حزن لم يدرك سببه بعد..!!
ولكنه لم يفعل ربما لأن الناس لم تعد ترحم بعضها..!!
وسيظن الناس أنه يريد مضايقتها أو التعرض لها..!!

المهم أنه ظل في مكانه ثابتا وإن لم يبعد نظرة عن الفتاه..
هو نفسه لا يدرى ما السبب؟
ترى هل هذا  إشفاقا لحالها؟

حاول أن يبعد تلك الأفكار عن ذهنه فلم يقدر..
ثم اتسعت عيناه في ارتياع عندما رأي خيطا من الدموع يسيل على وجنتي الفتاه..
وتساءل..
ترى لماذا تبكى الفتاة؟!!
لماذا؟!!
لماذا؟!!

***
                        الفصل الثاني: جريمة قتل

كانت الأفكار تعصف بعقل (كمال) عصفا  عندما انتبه أن هناك شاب يقترب من الفتاه  من الخلف في حذر
شديد...!!

وعندما وصل إليها اختطف الطفل الصغير من يديها وألقاه في الماء...!!

انتفض (كمال) وهب من موضعه من هول ما رأى..!!

لاحظ (كمال)  أن الشاب ألقى الطفل في الماء ولاذ بالفرار في سيارة سوداء  التقطته في سرعة..

حاول (كمال)  أن يعبر الطريق  إلا أن السيارات كانت تسير في سرعة جنونية  منعته من ذلك..

لاحظ (كمال) أيضا  أن الفتاة قد انهارت أرضا..وفقدت الوعي..!!

وللأسف لم يلتفت إليها أحد...

كان (كمال)  يحاول أن يعبر الطريق لينقذ ما يمكن إنقاذه فلم يقدر إلا انه لفت انتباهه أن سيدة كبيرة اقتربت من الفتاة وأسندتها على كتفها وأخذت تسير بها حتى وصلت إلى سيارة بعينها وفور استقرارهم  في السيارة انطلق السائق على الفور  وابتعد في سرعة..!!

كل هذه الأحداث جذبت انتباه (كمال)  في شدة
كان يريد أن يعرف ما الذي يحدث..!! ..

على الفور توجه لسيارته وأدار محركها وانطلق خلف السيارة التي استقلتها الفتاه..

لم يكن العثور على السيارة سهلا وسط هذا الكم الرهيب من السيارات..

إلا أنه فعلها...

أخذت السيارة تتوغل في طرقات المدينة حتى توقفت أمام فيلا  فاخرة..

أوقف (كمال)  سيارته وحدد موقع الفيلا في الذاكرة ..

ثم انعقد حاجباه في شدة...

((الطفل...!!))
نطق (كمال)  بالكلمة في قوة ...

لماذا لم يحاول أحد إنقاذ الطفل؟!!

حتى السيدة الكبيرة لم تتوقف وتلقى نظرة واحدة  على سطح الماء..!!

بدأ (كمال) يشم في الأمر رائحة  جريمة قتل..

جريمة راح ضحيتها طفل بريء..!!

كان هناك احتمالا آخر..

إن الفتاة من البداية تحمل طفلا مقتولا..

ولكن هذا الاحتمال بعيد جدا...

فهل يعقل أن تحمل الفتاة طفلا ميتا وتسير به بهذه الجرأة ؟!!

ثم من هذا الشاب الذي ألقى الطفل في الماء؟

إنه يحفظ ملامحه جيدا..

دارت هذه الأفكار في عقل (كمال)   وأصر أن يصل لحقيقة الأمر..

مهما كانت المخاطر..!!

ومهما كان الثمن...!!

***

                        الفصل الثالث: البحث

أشرقت شمس اليوم التالي عندما اندفع رجل الأعمال (كمال سالم ) إلى مكتبه وقام باستدعاء سكرتيره هاتفيا فدخل عليه في سرعة قائلا:
- صباح الخير يا (كمال)  بيه  .

رد عليه (كمال)  التحية قائلا:
- صباح الخير يا (حسام)  ...أريد أن أكلفك اليوم بعمل مهم جدا..

قال (حسام)  في سرعة:
- أنا تحت أمرك يا (كمال) بيه...

قال له (كمال):
- هناك فيلا ...سوف أذكر لك عنوانها ..أريد منك أن تعرف لي من صاحبها..ومن يسكن فيها ؟ أريد تفاصيل كاملة يا (حسام) ..أنا أعرف انك بارع في هذه الأمور..

ابتسم (حسام)  في خجل قائلا:
- ليس إلى هذا الحد يا (كمال)  بيه...ولكنني سأفعل كل ما تطلبه منى..هل هناك أي تعليمات أخرى؟

دفع إليه (كمال)  رسم بالقلم الرصاص  لوجه شاب وقال له:
- أريدك أن تعرف لي أيضا من يكون هذا الشاب؟

ابتسم (حسام)  وقال:
- هل عاودك الحنين للرسم مرة أخرى؟!! ..إن هذا الرسم دقيق للغاية..

قال (كمال) :
- ليس الحنين هذه المرة يا (حسام) ..ولكن هناك سبب قوى سوف اشرحه لك لاحقا..واحمد الله أن رزقني هذه الموهبة..

سأله (حسام) :
- هل هناك تعليمات أخرى؟

هز (كمال)  رأسه نفيا ثم وضع في يد سكرتيره  بعض النقود لتساعده على البحث مع ورقه فيها عنوان هذه الفيلا ثم قال ل(حسام) :
- اسمعني جيدا يا (حسام) ...أريد تفاصيلا دقيقة...لا أريد أي أخطاء..هل تفهمني؟

قال (حسام):
- أفهمك يا (كمال) بيه..ائذن لي..

وانصرف (حسام)  لتأدية مهمته  تاركا رئيسه والتفكير والحيرة تسيطر على كيانه كله..
وبلا حدود..!!

***

كانت الساعة قد اقتربت من الثالثة عصرا عندما اندفع (حسام)  إلى مكتب رئيسه في العمل قائلا له:
- لقد أنجزت العمل يا (كمال ) بيه..

ودفع إليه (حسام) بورقة  بها  المعلومات المتاحة...

انعقد حاجبا (كمال)  وهو يراجع البيانات التي احضرها سكرتيره..

الفيلا ملك لرجل أعمال يدعى (توفيق عبد الرحمن) ..

له زوجه سيدة كبيرة ....وله أيضا  ولد وبنت..
الابن ما زال صغيرا في التاسعة عشر من عمرة واسمه (عمرو)  أما الفتاه فهي في الخامسة والعشرون من العمر وتدعى (إلهام) ولقد توفى زوجها حديثا وأنجبت منه ولدا أسمته (خالد)

((وماذا عن صورة ذلك الشاب يا حسام؟))

سأل (كمال) سكرتيره (حسام)  فقال له:
- ماذا عنه يا سيدي؟!! ..انه لا ينتمي لهذه الأسرة من قريب أو بعيد ولم استطع التعرف عليه من أي مصدر..

قال (كمال) في سرعة:
- إذن هذا الشاب مجهول الهوية بالنسبة للأسرة..؟!!

أجابه (حسام) :
- نعم يا (كمال)  بيه...كل التحريات التي جمعتها تؤكد ذلك..

سأله (كمال) :
- هل تعرف لماذا تبدو الفتاه حزينة إلى هذا الحد؟!!

أجابه (حسام) :
- لم أكن بحاجة إلى السؤال عن هذا الأمر ..إن زوجها متوفى منذ فترة قصيرة حوالي شهر تقريبا ولا ريب  أن ذلك الحزن البادي على وجهها ناتجا عن فراقه..!!

سأله (كمال) :
- وهل عرفت اسم زوجها الراحل؟

أجابه (حسام) :
- نعم..انه محاسب يعمل في شركة استيراد وتصدير .. يدعى (جمال)....(جمال عبد الخالق)

أخذ (كمال) يردد الاسم..

(جمال عبد الخالق))...

إن الاسم يبدو له مألوفا...

سأل (كمال) سكرتيره:
- وهل عرفت سبب وفاته؟

أجابه (حسام):
- انه لم يمت ميتة طبيعية...لقد قتل..!!

عند هذه النقطة انتفض جسد (كمال)...
وبمنتهى العنف...!!

***
                      الفصل الرابع: زيارة

(هل يمكنني مقابلة (توفيق) بيه؟)

قالها رجل الأعمال (كمال سالم ) للبواب الذي يقف على مدخل فيلا رجل الأعمال (توفيق عبد الرحمن)...

سأله البواب:
- في مثل هذه الساعة...؟

كانت الساعة تقترب من الحادية عشر مساءا ولكن (كمال) أجاب البواب قائلا:
- نعم ..في مثل هذه الساعة..!!

سأله البواب:
- وماذا أقول له؟

أجابه (كمال)  وهو يعطيه كارت خاص به:
- اخبره أن رجل الأعمال (كمال سالم)  يرغب في لقائه..

قال له البواب:
- انتظر قليلا حتى اخبر (توفيق) بيه.

قال له (كمال) :
- لا بأس...سأنتظر

أسرع البواب إلى الفيلا وغاب قليلا ثم عاد قائلا:
- (توفيق)  بيه متعب للغاية..هل تفضلت بتأجيل زيارتك للغد في الثامنة مساءا؟

بدا الضيق واضحا على وجه (كمال)  ولكنه قال:
- حسن...سوف احضر في الغد.

واتجه (كمال) إلى سيارته  وانطلق بها..

ومن وراء ستائر إحدى النوافذ كانت هناك عينان تراقبان المشهد..!!

أخذت هذه العينان تراقبان السيارة وهى تبتعد..

وتبتعد...

وبدا القلق واضحا  على هاتين العينان..!!
وكان هذا يضيف لغزا جديدا..
ترى من صاحب هاتين العينان؟!!
ولماذا يبدو القلق واضحا عليه؟!!
لماذا؟!!
لماذا؟!!

***

                        الفصل الخامس: حيرة

((هذا لا يبدو طبيعيا أبدا..!!))

غمغم (كمال) بالعبارة وهو يجلس فى غرفة  مكتبه بالمنزل بعدما عاد من هذه الزيارة الفاشلة..

((يبدو إنهم يخفون شيئا ما))..

تساءل (كمال) ..(لماذا تم تأجيل المقابلة للغد؟)

(هل يريدون عمل تحريات عنه قبل المقابلة؟)

إنه دائما يفعل ذلك عندما يطلب شخص مجهول الهوية زيارته..
لم يدر (كمال)  ما الذي يقحمه في هذا الأمر...!!
فليست له أي علاقة مباشرة بما يحدث..!!

ما أثاره فعلا أن اسم ذلك المحاسب يبدو مألوفا له وكأنه يعرفه جيدا..
ولكن من؟!!
من؟!!

أخذ  يعتصر عقله للبحث والتنقيب عن أي ذكريات مع هذا المحاسب..
وبدأ يفكر..
إن هذه الأسرة لا غبار عليها..
فرب الأسرة رجل أعمال من الدرجة الأولى..
لقد عمل تحريا ت عنه وعرف انه من أنزه رجال الأعمال
هذا يعنى أن المال ليس له علاقة بالموضوع...

وكذلك الفتى (عمرو) ...يبدو انه لا يعلم شيئا عن هذا الموضوع
السر إذن بين الفتاة وأمها وأبيها..!!

ترى ما الذي حدث عند الكوبري؟!
لام (كمال)  نفسه كثيرا انه لم يلق نظرة على سطح الماء ليرى الطفل أو حتى يحاول إنقاذه..

((ما حدث قد حدث..!!))
قالها لنفسه كي تهدأ..

ليته كان معه كاميرا لتسجيل صورة لما حدث..

((صورة..!!))
هتف (كمال) بالكلمة بصوت عالي ثم استطرد:
- نعم...اننى لم اسع للحصول على صورة الزوج الراحل للتعرف عليه..!!

رفع السماعة ليطلب سكرتيره (حسام)  ولكنه وجد أن الوقت قد تأخر..!!
لذا فقد وضع السماعة مرة ثانية وجلس يفكر..
ويفكر..
بلا ملل..!!
إن غدا لناظره قرب...!!

**
كان الضباب يغلف كل شبر على هذا الكوبري حتى إنك لا تستطيع أن ترى أصابعك  نفسها ثم تعالي الصوت من بعيد :
- كماااااال......كماااااال

وإذا بهتاف يتصاعد من الناحية الأخرى من الكوبري:
- إلهااااااام.....إلهااااام

أخذ ا
لهتاف يتردد على الكوبري من الجانبين والظلام والسكون يغلفان كل شيء
ثم تلاقى الاثنان...

اخذ كل منهم ينظر إلى الآخر وكأنهما يسعيان للتأكد من شخصية كل واحد منهم ...
وفجأة انطلق صراخ طفل صغير..!!
وأخذ الصراخ يتزايد تدريجيا..
وكأن هناك من يرغب في إيذاء الصغير وعندئذ صرخت الفتاه:
- ولدى.....خاااااااااالد.....ولدى

اندفع (كمال)  بسرعة نحو الطفل الذي وضعته والدته على ناحية الكوبري...
وإذا به يرى الطفل في يد شخص آخر..شخص غير موجود على قيد الحياة..
في يد والده ...المحاسب (جمال)
وإذا بالمحاسب يصرخ في جنون:
- لن تأخذوا ابني أبدا...لن اتركه لكم

ثم بحركة مباغته امسك المحاسب ولده وقفز به قفزة خرافية داخل الماء...!!

وعندئذ صرخت (إلهام) :
- خاااااااااااااالد....ولدي...لااااااااااااااااااااااااا

وانهارت فاقدة الوعي و...

نهض (كمال) من نومه فزعا....!!
ما سر هذا الكابوس المخيف؟!!
اخذ يردد السؤال أكثر من مرة ...
ولكن دون جواب...
على الإطلاق...!!

***

                       الفصل السادس: مفاجأة

((هل  يمكنني مقابلة (توفيق)  بيه؟))

هتف رجل الأعمال (كمال سالم)  بالعبارة للبواب وهو يقف أمام الفيلا للمرة الثانية فأجابه البواب في سرعة:
- تفضل يا أفندم..إن (توفيق)  بيه في انتظارك

وقاد البواب (كمال)  للداخل حيث ادخله إلى غرفة الجلوس واحضر له كوبا من القهوة ثم انصرف..

اخذ (كمال)  يتأمل الفيلا من الداخل وهو جالس وينظر للصور المعلقة على الحائط..
هذه بالطبع صورة (توفيق عبد الرحمن)  صاحب الفيلا...وكذلك صورة زوجته بجواره..
وهذه صورة الابنة مع زوجها الراحل..
اخذ (كمال)  يتأمل صورة الزوج وكأنه يحاول استعادة ذكرياته معه..
إن ما حدث بينهما يبدو انه مر عليه مدة كبيرة والدليل أن عقله يبذل مجهودا لكي تطفو هذه الذكريات إلى السطح و...

((أهلا (كمال)  بيه...))

التفت (كمال)  إلى مضيفه وقال له وهو ينهض ليصافحه:
- أهلا (توفيق) بيه..

أشار له (توفيق)  بالجلوس..
جلس الاثنين في مقعدان متقابلان وساد الصمت قليلا ثم سأل (توفيق) :
- ترى ما سر هذه الزيارة يا (كمال ) بيه؟ ...و معذرة لعدم  مقابلتك أمس فقد كنت مجهدا للغاية))

قال له (كمال) :
- لا عليك يا (توفيق)  بيه...لقد جئتك أول مرة بلا موعد...وما حدث كان طبيعيا للغاية ..

سأله (توفيق)  في تحفظ:
- أنا تحت أمرك ...ما سبب الزيارة؟

قال (كمال)   :
- معذرة يا (توفيق)  بيه...ما أقوله يدخل ضمن خصوصيات هذه الأسرة ولست أدرى لماذا افعل ذلك؟ ولا أدري كيف....

قاطعة (توفيق)  قائلا:
- لا داعي للمقدمات الطويلة يا (كمال)  بيه...أنت تعرف أن وقتنا من ذهب...ادخل في الموضوع لو سمحت

وفى دقائق معدودة روى له (كمال)  كل ما شاهده على الكوبري بالتفصيل..
وفى النهاية قال (كمال) :
- من فضلك ...أريد تفسيرا لما حدث..إن عقلي يكاد يجن..!!

ساد الصمت بالغرفة طويلا فقطعه (كمال)  قائلا:
- (توفيق) بيه...أرجو أن تغفر لي فضولي الزائد...إن ما شاهدته يفوق تحملي..واطلب من سيادتكم تفسيرا يريح عقلي...

صمت (توفيق)  ولم يرد...فاستطرد  (كمال) :
- (توفيق) بيه...اننى اعتقد أن الأمر ليس مزحة...هناك سبب لما رأيته..

صمت (توفيق) ولم يعلق فاستطرد (كمال):
- (توفيق) بيه...اعتقد أن هناك جريمة حدثت...وأنا لن يهدأ لي عقل حتى اعرف ماذا حدث.. وإلا سأضطر لإبلاغ السلطات المختصة..

صمت (توفيق)  ولم يجيب فقال له (كمال) :
- لماذا تصمت يا (توفيق) بيه...؟

تطلع (توفيق) إلى (كمال)  بنظرات عميقة وكأنه يحاول أن يسبر أغوار ذلك المقتحم الذي يدس انفه فيما لا يعنيه مع أسرة لا علاقة له بها..

وبعد فترة من الصمت قال (توفيق):
- ولماذا تسأل يا (كمال)  بيه...هذه أمور داخلية لا شأن لك بها..إن هناك أسرارا تخص الأسرة.. ولا يمكن البوح بها لغريب مثلك..

هتف به (كمال) :
- وأنا لا اسعي لنشر اى أسرار ..أنا أسعى للمعرفة فقط...ثم لماذا لا أراك حزينا على حفيدك؟

قال له (توفيق) :
- ولماذا احزن؟ إن هذا هو قضاء الله وقدره..ولا اعتراض عليه.

قال (كمال) :
- نعم..اننى أؤمن أن هذا قضاء الله وقدره ولكنني رأيت جريمة قتل  ولن اصمت على هذا أبدا

قال (توفيق) :
- ولكن هذا لن يفيدك في شيء..إن في الأمر سرا لكنه غير متاح لأن يعلن بسهوله لأنك كثير الإلحاح...ابتعد عن الموضوع لصالحك..أنى لك ناصح..

انعقد حاجبا (كمال) في شدة ونهض من مقعده قائلا:
- حسن يا (توفيق)  بيه ...لقد جئت من الباب...ولكنك رفضت.....يجب أن تعرف اننى لن أتوقف حتى اعرف حقيقة ما حدث سواء منك أو من غيرك..!!

واندفع ليغادر الغرفة و...

وقبل أن يصل لباب الغرفة انفتح الباب فجأة...!!
ودخل منه آخر شخص يتوقع لقاؤه في هذا المكان..!!
المحاسب (جمال عبد الخالق)...!!
زوج الابنة..
الراحل...
وليس هذا فحسب..
لقد كانت بجواره  زوجته (إلهام)..
وليس هذا فحسب...
لقد كان على يد الزوجة  ولدهما ...
الطفل (خالد)...!!
وكانت السعادة تغمرهم جميعا...
وانعقد حاجبا (كمال) في شدة
فالأمر هذه المرة كان يفوق قدرته على الاحتمال
تماما...!!

***

                     الفصل السابع: القضية

كان الصمت يغلف الحجرة في تلك الفيلا قطعه (كمال) قائلا في ذهول:
((إذن أنت لم تمت يا أستاذ (جمال...!!))

أجابه (جمال) وهو يبتسم:
- لكل اجل كتاب يا أستاذ (كمال) ...لقد مرت ثلاثة سنوات على آخر لقاء بيننا...هل تتذكر؟

تذكر (كمال)  في هذه اللحظة كل الذكريات التي جمعته بالمحاسب (جمال عبد الخالق)  فقال له:
- الدنيا قصيرة جدا يا أستاذ (جمال) ...أنت المحاسب الذي كنت تعمل مع المحاسب (فؤاد أبو المجد) رئيس مجلس الإدارة  لهذه الشركة..

قال له (جمال) :
- نعم...أنا هو...لقد استمعت لنصيحتك يومها في توخي الحيطة والحذر في التعامل مع المحاسب (فؤاد) فأنت كنت تعتقد أن للشركة نشاط مريب آنذاك

سأله (كمال):
- وماذا حدث بعد ذلك...؟أنت تعرف أن تعاملاتنا كانت محدودة مع تلك الشركة..

قال (جمال) :
- للأسف ...كل شكوكك كانت في محلها...إن (فؤاد أبو المجد)  يتاجر في المواد المخدرة...ويستغل اسم شركته في الاستيراد والتصدير كساتر لها...

سأله (كمال) :
- وكيف عرفت ذلك؟

نظر المحاسب إلى حماه (توفيق) يسأله  فأشار له أن يكمل فقال:
- بالمصادفة البحتة...لقد وقعت تحت يدي مستندات لهذه الشحنات .

سأله (كمال) :
- وماذا فعلت بعد ذلك؟

أجابه المحاسب:
- قمت بتسليم المستندات للنيابة التي تولت التحقيق في القضية على الفور...ولكن للأسف تمكن رئيس مجلس الإدارة من الفرار ...

سأله (كمال) :
- وماذا عن قصة مقتلك؟

أجابه ( جمال ) :
- لقد حاول (فؤاد أبو المجد)  قتلي بحادث سيارة بعد مرور زمن على تلك الواقعة وكأنه يقول لي انه لم ينسى ...ولن ينسى... وقد قمنا  بالتعاون مع الشرطة بعمل خطة للإيحاء بمصرعي لحين التوصل للمجرم الهارب..

سأله (كمال) :
- وماذا عن الذي حدث تحت الكوبري؟

أجابه (جمال):
- كانت خدعة متقنة...

أكملت (إلهام) هذه المرة بعدما ناولت الطفل لأباه:
- كنت اخشي أن يستمر مسلسل الانتقام معي ومع طفلي بعد إعلان مقتل زوجي ولذلك فقد تعمدت أثناء خروجي حمل دمية صغيرة بوزن الطفل وقمت بلفها بالثياب  وارتديت السواد لإحكام دور الحزن على زوجي..ولكن احد هؤلاء القتلة قام بخطفه كما توقعت وإلقاؤه في الماء فقمت بتمثيل حالة الانهيار  حتى يبتعد القاتل عنى...!!

هتف (كمال) في دهشة:
- إذن تلك الدموع وتلك الخطوات البطيئة كانت...

قاطعته (إلهام) :
- نعم...كانت خدعة...ولا شك إنها كانت خدعة متقنة والدليل أنها انطلت عليك...ولكنها كانت كافية لكي يقتنع الأوغاد أنهم قضوا على  المحاسب  وولده ودمروا أسرته وزوجته  نفسيا..

راح (كمال)  يلوم نفسه لأنه انساق وراء عواطفه ولكنه سأل:
- إذن كل ما حدث كان خدعة..؟!!

قال له (توفيق) هذه المرة:
- نعم...ولكن لا ينبغي لأحد غيرنا أن يعرف هذا السر...لقد  سألت عنك (جمال)  ليلة أمس وأكد انك رجل يؤتمن له وإلا لما وافقت على مقابلتك..!!

قال (كمال) في حيرة:
- ولكن الاختباء ليس حلا..

سأله (جمال) :
- هل لديك حلا آخر؟!!

فكر (كمال)  قليلا ثم قال:
- من حسن حظكم أنني شاهدت هذه الخدعة المتقنة أسفل الكوبري...لذا فقد حصلت لكم على دليل  قد يوصلنا لهؤلاء الأوغاد...!!

التفت إليه (توفيق)  في ذهول وسأله:
- دليل...؟ هل تعنى حقا ما تتقول؟

قال لهم (كمال) في ثقة:
- نعم..أعنى ما أقول..هل تتذكري ذلك الشاب الذي القي طفلك...اقصد دميتك في النيل؟

قالت ( إلهام ):
- نعم..

قال (كمال) :
- إنني امتلك له صورة رسمتها له....وبمزيد من التحريات في الشرطة اعتقد أن هذا  قد يساعدكم..!!

سأله (توفيق) :
- وأين هذه الصورة؟

أجابهم (كمال) في سرعة :
- إنها عند سكرتيري (حسام) ..سوف اذهب إليه واحضرها على الفور.

سأله (توفيق) :
- وكيف يمكن الاستفادة من هذه الصورة؟!!

قال (كمال) :
- سيكون هناك تحريات وبحث ونيابة...فما دام هناك مشتبه به فسوف يكون هناك بحث عنه في كل مكان...صدقوني هذا هو الحل الوحيد المتاح..

ثم نهض في سرعة ليذهب  لسكرتيره في منزله لإحضار الصورة ..
فما دامت الصورة متاحة فلا داعي أن يجهد عقله ويرسمها مرة أخرى...
ولكنه وهو ينطلق بسيارته لم يكن يعرف ماذا يخبئ له القدر؟!!
لم يكن يدرى حتما...!!

***
                       الفصل الثامن: دماء

كان الهدوء والسكون يعم تلك المنطقة التي يسكن بها (حسام) ...

لذا فقد أسرع (كمال)  يرتقى درجات السلم ليصل إلى شقة سكرتيرة (حسام)  في الدور السادس حيث كانت الساعة تقترب من الحادية عشر مساءا ولم يكن  يرغب في الاتصال به ...

لم يكن (كمال) يحب استعمال المصاعد...حفاظا على لياقته..

وفور وصوله أخذ نفسا عميقا ثم ضغط زر الجرس  الخارجي..

كان صوت رنين الجرس عاليا  يشق سكون الليل...

ولكن لم يقم احد بالاستجابة لذلك الرنين...!!

فطرق (كمال)  الباب   فانفتح باب الشقة بغتة... فنظر كمال إلى رتاج الباب فوجده محطما تماما...!!

دفع (كمال) الباب بقدمه  في حذر ..
وانعقد حاجباه في شدة..
لقد كان كل شيء مقلوبا ومحطما بطريقة رهيبة..!!
اخذ (كمال)  ينادى على (حسام)  بأعلى صوته ولكن لم يجبه أحد..!!
فدخل إلى غرفة مكتب (حسام ) في حذر..

ثم انتفض جسده في شدة ...
فما شاهده بأرض الغرفة كان بشعا...!!
والى أقصى حد...!!

***

نظر (كمال) إلى ذلك الجسد المسجى أمامه والذي تشوه تماما بالسكين...
جسد (حسام)...
((رباه...ما الذي يحدث هنا؟))

هتف (كمال)  بالعبارة في ذهول..
ترى ماذا فعل هذا الشاب ليحدث له هذا؟
لماذا قتلوه بهذا العنف وهذه الوحشية؟!!
ثم السؤال الأهم:
أين سيذهب هو الآن؟!!

إنه لن  يستطيع الذهاب لبيته...
بل انه في موضع خطر الآن..
اخذ يبحث عن هذه الصورة في كل مكان ولكنه لم يجدها...إذن كل هذا بسبب تلك الصورة..!!
يبدو أن لها أهمية فائقة..
ولكن كيف عرف القاتل أن الصورة مع (حسام)..؟!!

لابد أن القاتل يراقب الفيلا بصفة دائمة...

ويبدوان (حسام)  توجه إلى البواب وعرض عليه الصورة ...

ومن هنا قام بتتبع (حسام)  لمنزله...

وبالتالي لم يتحدث (حسام)  للقاتل عن الصورة لأنه لا يعرف عنها شيئا بالفعل...!!

وكان من الطبيعي أن يتم استخدام العنف معه أكثر من اللازم ...!!

وربما القائل يراقب شقة (حسام)  الآن  ليعرف أكثر..

تطلع (كمال) إلى جسد (حسام)   في حزن وقال له :
- رحمك الله يا حسام..تأكد أن حياتك لن تضيع هدرا...

وبحث  في سرعة عن قلم رصاص واعتصر ذهنه لرسم  وجه هذا القاتل ...

وبدأت الملامح تتضح رويدا رويدا وهو يتعمق في التفاصيل..!!

حتى اكتملت الصورة تماما..

ثم طوي( كمال)   الورقة في جيبه وهم بالخروج..

ولكنه تردد..!!

من أدراه إن قاتل (حسام)  قد رحل...

إن الدماء ما تزال دافئة ولزجة وهذا يعنى أن  القتل تم من فترة قليلة...!!

قليلة للغاية..!!

فصعد في هدوء إلى السطح ليستطلع المنطقة المحيطة بالعمارة...

وبالفعل كان القاتل ينتظر  على السطح وهو يمسك مدفعا آليا ويصوبه إلى مدخل العمارة..

يبدو انه كان ينتظر خروجه ليقضى عليه..

وعندئذ يموت ويموت الدليل معه...!!

ولكن لا...هذا لن يكون..!!

ولذلك اخذ (كمال)  نفسا عميقا ثم اندفع بكل سرعته نحو ذلك القناص..

كان كمال منفعلا بشدة لما شاهده من مصرع سكرتيره في هذه اللحظة

وفى لحظة واحدة دفع القناص في قوة من أعلى المبنى..!!

وهوى القناص من ارتفاع ثمانية ادوار كاملة مع صرخة رعب عالية كتمت فور ارتطامه بالأرض ..

ومن أعلى العمارة تأمل (كمال)  جثة القناص ثم قال:
- لقد دفع قاتلك الثمن يا (حسام) ...!!

هبط (كمال)  في سرعة على الدرج واتجه نحو سيارته و...

ولكنه توقف مرة أخرى..

إنه يتعامل مع وحوش بالفعل..

ولهذا يجب عليه أن يأخذ أقصى درجات الحذر..

ويبدو انه كان على حق في حذرة الزائد..

فما أن تراجع للوراء بمسافة كافية حتى انفجرت السيارة...

وبمنتهى العنف...!!!

***
               الفصل التاسع: حياة أو موت

((هذه هي الصورة يا  (توفيق)  بيه..))

هتف رجل الأعمال (كمال سالم ) بالعبارة وهو يلهث وقد سالت الدماء من جرح سطحي في وجهه من اثر انفجار سيارته..

اخذ (توفيق)  الصورة وهو يرثى لحال ذلك الرجل الذي أقحمته الظروف في هذا الأمر...

ثم اتصل بالمقدم (خالد)  الذي حضر على الفور وأعطاه الصورة..

وعلى الفور بدأت عدة تحريات مكثفة للبحث عن صاحب هذه الصورة ونطاق تواجده...

وفى هذا الإثناء كان (كمال ) يجلس مع (توفيق) و(جمال) وباقي الأسرة وهو يقول:
- هل تعتقدون أن هذه الغمة قد انزاحت عن هذه الأسرة؟

قال (جمال):
- ليس قبل أن يقع الجاني في قبضة العدالة..

تنهدت ( إلهام )  قائلة:
- صدقني يا أستاذ  (كمال) ...نحن نعيش في رعب منذ فترة طويلة..ولا ريب إن القدر قد أرسلك لنا لتنقذنا من هذا العذاب..

قال (كمال):
- ولكن لم كل هذا العنف؟!!

أجابه (جمال):
- إن هؤلاء الأوغاد قد أغوتهم شهوة المال السريع إلى حد رهيب مهما سقط من ضحايا..لابد أن ينالوا جزاءهم..ويدفعوا ثمن جرائمهم...

تتذكر (كمال) سكرتيره (حسام) وما أصابه بسببهم وقال:
- لقد أصبح لي ولكم ثأر عند هؤلاء ولابد وأن يدفعوا ثمن جرائمهم..لابد..

نطقها كمال في غضب...
كل الغضب...!!

***

أشرقت شمس اليوم التالي على نهر من المفاجآت لا ينقطع...

فذلك الشاب قاتل الطفل الزائف هو ابن(فؤاد أبو المجد) رئيس مجلس إدارة شركة الاستيراد والتصدير ..

وهو يسكن في منطقة سكنية راقية  وقام  تغيير اسمه...

حقا إن الصورة بألف كلمة...فهي تتحدث عن نفسها..

ألقت السلطات الأمنية  القبض على الشاب  وبالتحقيق معه أدلى باعترافات تفصيلية مثيرة..!!

لقد اخبرهم بموقع والده الحالي ...

وبواسطة حملة من قوات الشرطة تم القبض على رئيس الشركة وفى حوزته كمية كبيرة من المواد المخدرة..

وتم القبض على جميع أعوانه.. وتم عرضهم لمحاكمة عاجلة..

وحكمت المحكمة على رئيس الشركة وولده وأعوانه بالأشغال الشاقة المؤبدة...
وعند معرفته بكل ما حدث تنهد المحاسب (جمال) في قوة وقال:
- حقا ..إذا كانت دولة الظلم ساعة...فدولة الحق إلى قيام الساعة

فقال له (كمال):
- صدقت.

***

                تمت بحمد الله

أتمنى أن تنال إعجابكم

في انتظار أرائكم وتعليقاتكم...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة