بدر شاكر السياب / للأستاذ ظهير الشعراني /
بدر شاكر السيّــــــــــــاب (1926ــ 1964)
كان للحرب العالمية الثانية , وتحجّر القيم الروحية , وطغيان الآلة , واستبداد المستعمر , الفعل الأكبر في توجيه الشعر العربي المعاصر نحو الذات , واللجوء إلى الرمز بدلاً من التصريح السافر . أضف غلى ذلك الرافد الثقافي المعاصر الذي مدّ شعراءنا بتجارب غنية أكسبته الثقة والعمق والتنوّع , لكنها سلختْ منه بالمقابل شعوراً بالسكينة والاطمئنان , فغدا هو هائمٌ شريدٌ يبحث عن هوية ذاته الغريبة كزورق تائه في عرض المحيط .
هكذا نتعرّف إلى بدر شاكر السياب في مطلع حياته الأدبية : فتىً في السابعة عشرة من عمره , قدم من قرية صغيرة في جنوب العراق تُدعى " جيكور" إلى بغداد ليلتحق بدار المعلمين العالية ويدرس الأدب الإنكليزي , سماتٌ عربية محافظة , وحرمانٌ عاطفي يعصف في عينيه الشاخصتين إلى غد مطمئن , وأحلام تغسل عنه الإرهاق والبؤس النفسي . يقول في مقدمة قصيدة له:
" الليلُ , والسوق القديم
خفتتْ به الأصوات ُ إلا غمغماتُ العابرين
وخطى الغريب وما تبثّ الريح من نغمٍ حزين ...
...كم طاف قبلي من غريب ,
في ذلك السوق الكئيب ,
فرأى وأغمض مقلتيه , وغاب في الليل البهيم
...وصدى غناءْ ...
ناءٍ يذكـّر بالليالي المقمرات وبالنخيل ,
وأنا الغريب ... أظل أسمعه وأحلمُ بالرحيل
في ذلك السوق القديم "
( في السوق القديم) من ديوان " أزاهير وأساطير"
تعليقات
إرسال تعليق