حرية التفكير عند العرب / للأستاذ ظهير الشعراني /

الركن الأدبي ..
حرية التفكير عند العرب :
إن قضية الحرية والموقف من الإنسان , أمجبرٌ هو أم مُخيّر؟ من القضايا التي شغلت المفكرين العرب منذ القديم , وقد بلغت أوجها بين المفكرين العرب المسلمين , إذ شغلت حيّزاً كبيراً من آثارهم الفكرية , ومخطوطاتهم ومطبوعاتهم , التي تمثل التراث العقائدي للتاريخ الفكري العربي .
هذه المسألة قائمة عند العرب وما زالت , ولكنها في العصر الحديث قد أخذت أبعاداً أكثر , واتسعت آفاق مباحثها أكثر من ذي قبل . كل ذلك لأنها مشكلة أو قضية تتعلق بالإنسان , وعلاقاته بالمجتمع والكون , لذلك بقيت حية , مُثارة ومثيرة للبحث والجدل حتى الآن .
لم تكن هذه المشكلة في الماضي موضوعة تحت مصطلحات ( الحرية) و( الاختيار) فالمسالة في الماضي عولجت من خلال علاقة الإنسان بالقدرة الإلهية , وعلاقة القدرة الإلهية بالإنسان , فالمباحث الفكرية الإسلامية في الماضي انصبّت حول هذه المسألة , وهذا مانشاهده في الفكر الكلامي العربي , إذ بلغت هذه المسألة ذروتها عند المعتزلة , واستمرت عند الفلاسفة والمفكرين العرب المسلمين , كالكندي والفارابي وابن طفيل وابن رشد وابن خلدون , وبعد هؤلاء انحدر الفكر العربي من خلال عصور الانحطاط ليفقد قيمته الفكرية بشكل عام .
إن فكرة الاختيار التي كان رائدها مدرسة المعتزلة في الماضي , كان نصيبها من الازدهار والتطور والشمول ضئيلاً , في العصر الحاضر , رغم أن الإنسان العربي هو بأمسّ الحاجة إليها , لأن هذا الإنسان يحتاج إلى التفكير من خلال واقعه , للعمل على تقييده بفكر متصوّر بدلاً من التعامل مع غيبيات لاطائل من البحث فيها ولا فائدة مرجوّة . فالواقع العربي يحتاج إلى ذلك العقل الثاقب الذي يقلبه رأساً على عقب من خلال المنطق والوعي والمعرفة , المستندة إلى معطيات العلم التي يزخر بها العالم الحضاري , والتي تشكل المنطلق الأساسي لكل تطوّر , أقلّ مانقول به : إنّ الوطن العربي هو بأمس الحاجة إليه , لابل يشكل ضرورة أساسية لإنساننا العربي من أجل نفض الخمول والكسل والجهل الذي تتميز به عقليته , وشكلت عائقاً أساسياً في طريقه للحاق بمواكب الفكر الإنساني الحضاري . فالمسألة الأكثر إلحاحاً
إذن هي حاجة الفكر العربي إلى الاعتماد على العقل الواعي , الأمر الذي يستدعي إنزال العقل العربي عن عرشه الذي يستوي على غيبيات لاطائل منها أو البحث عنها ولاجدوى من أهدافها غير القابلة للتطبيق أو التحقيق , أو الوصول إلى أية نتيجة , فالضرورة ملحة لأن يكون العقل العربي عقلاً واقعياً حضارياً يتلاءم ويتماشى مع طبيعة العقل الإنساني الذي يعتمد تلك الوقائع العلمية والواقعية في حركته التطورية الإنسانية , من أجل مستقبل أفضل .
طيّب الله أوقاتكم بالخير ــ ظهير الشعراني

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة