الوهم والغد / للدكتورة غادة طنطاوي /
الوهم والغد
د. غادة ناجي طنطاوي. Ghada_tantawi@
قبل عدة سنوات كتبت وقلت بأن سرعة عجلة التكنولوجيا الحالية تخيفني جدًا، وكل ما مرت الأيام يكبر خوفي ويزداد مما يحدث حولي.
بيل جيتس، يتحدث كثيرًا عن لقاحاتٍ غريبة قادمة، من شأنها أن تقضي على الملايين..!! أفلام الخيال العلمي لا تنطق عن الهوى، بل هي مجموعة من التجارب لعدة مشاريع تدخل في تعديل هندسة الجينات البشرية، لصنع كائنات أقرب ما تكون للبشر لكن تفوقها قوةً في الصبر، مقاومةَ الألم وتحمل الأذى الجسدي. وإن صح قولي، فهي الهجين الجديد في المنطقة ٥١. مشاريع تهدد البشرية، لها عدة أغراض خبيثة لهدم الأديان كافة والقضاء على الحياة البشرية – كما صرح العالم (ستيف هوكينج)- مستترة تحت غطاء الدراسات العلمية..!! الترويج لخرافة الإحتباس الحراري والتحدث عن مشاريعٍ لحجب حرارة الشمس عن الأرض، أمرٌ ينافي الطبيعة ولن أبدأ بالتحدث عن أضراره..!
ولكن جُلٌَ ما يخيفني هو مشروع الذكاء الإصطناعي..!! وأنا هنا لا أتحدث عن تطوير التقنيات الجراحية، التجارب السريرية لصالح البشرية ولا الأجهزة التي تصدر لك بطاقة صعود الطائرة، ولكن أتحدث عما هو أعظم..!!
حكت لي والدتي عن زيارتها لمطعم كان النادل فيه روبوت..!! أصابني الذهول، فشخصيًا لا أود الذهاب لذاك المطعم، ولا أرغب أن أصاب بسكتةٍ قلبية إذا ما استيقظت لصلاة الفجر وسمعت صوتًا غريبًا في الردهة، لاكتشف بأنه روبوت الخادمة يقوم بتنظيف البيت..!! علمًا بأنه لن يفشي أسراري لروبوت الجيران ولن يقيم علاقة حب مع سائقهم. أمرٌ مرعب استدعى العالم جون ماكارثي -مخترع الذكاء الإصطناعي- أن يعلن خوفه العارم من اختراعه قائلًا؛ “جل ما يخيفني هو استخدام البشر للذكاء الإصطناعي في أمورٍ سَتَضُر البشرية” وأعلن ندمه الشديد على ما اخترعه.
أشعر أحيانًا بأنني في فيلمٍ سينمائي، وتذكرت فيلم (The true man show) للممثل الكندي جيم كاري، موظف يكتشف في آخر الفيلم بأن حياته بأكملها ما هي إلا عبارة عن برنامج تليفزيوني، وجميع من كانوا في حياته ما هم إلا مجموعة ممثلين، فجيرانه، بيته، أحداث يومه وحتى الظواهر الطبيعية وفصول حياته الأربعة عبارة عن سيناريو مكتوب يتم تنفيذه بدقة..!!
في كثيرٍ من الأحيان يعتريني شعور بأن كل مشهد شاهدناه، وكل كيان مستهجن ظهر على الشاشة تحت عنوان؛ أحداث مستوحاة من الخيال، ما هو إلا تمهيدًا لما سنشهده في السنوات القليلة القادمة..!!
الروبوت (صوفيا) الحاصل على الجنسية السعودية، وحقه في العيش كمواطن عادي من هيئة الأمم المتحدة، كان البداية..!! كيف لك أن تتخيل وجودك بجانب قطع من الحديد تحدثك وكأنها تعرفك..؟؟ بصرف النظر عن الشكل الخارجي الذي يشبه أي إنسان عرفته يومًا ما، أو فقدته قبل مدة..؟؟
ناهيك عن أن تلك القطع تعطيك انطباعًا بأنها تفهم احتياجاتك وتلبي رغباتك..؟؟ماذا عن المدرسة القديمة التي قضى فيها علماء النفس -مثل سيجموند فرويد- عقودًا طويلة لدراسة النفس البشرية وردود الأفعال..؟؟ أنت الآن قادر على برمجة الروبوت بكل ما تحبه فقط..!! فهل ستتدنى نسبة الطلاق في المجتمع..؟؟ وماذا عن التلامس الجسدي، الذي يحفز الدماغ ليفرز موادًا تساعد على التئام الجروح، تخفيف الألم النفسي وتحسين الحالة المزاجية..؟؟ هل ستنتهي الأمراض النفسية بزراعة شريحة مبرمجة بكمٍ من الخوارزميات..؟؟ وهل سينتهي زمن الحب ويصبح برنامجًا مشفرًا..؟؟
لا أعلم إن كنت أبالغ بعض الشئ.. لا أود أن أعيش في زمن الآلة..!! زمنٌ كل المشاعر فيه عبارة عن برنامج حاسوب معدل ومدروس ينافي سنة الله على الأرض.
في وجهة نظري كلها أوهام، قد تنسيك حقائق الأمور وواقعك الأليم..!! فقط أعلم بأني والوهم لسنا أصدقاء ولا مكان له في حياتي.
تعليقات
إرسال تعليق