الوفاء قصة من التاريخ / للأستاذ ظهير الشعراني /

الوفاءـ قصة من التاريخ
لما انتهت الخلافة إلى بني العباس , اختفى رجال بني أميّة , ومنهم ابراهيم بن سليمان بن عبد الملك بن مروان , وكان عالماً أديباً فأخذوا له أماناً من السفّاح فقال له : حدثني عما مرّ بك في اختفائك.
قال : كنت ياأمير المؤمنين مختفياً بالحيرة , فبينما أنا على ظهر البيت , إذ بجحافل من الجند خرجت من الكوفة تريد الحيرة , فتخيلت أنها تريدني , فخرجت من الدار متنكراً حتى أتيت الكوفة , ولاأعرف أحداً أختفي عنده , فبقيت في حَيرة , وإذا أنا بباب كبير , رحبته واسعة , فدخلت فيها , فإذا رجل حسنُ الوجه والهيئة , على فرس قد دخل الرحبة , ومعه جماعة من أتباعه فقال : " من أنت وماحاجتك ؟ , فقلت : رجل خائف على دمه  وقد استجار بمنزلك " فأدخلني منزله ثم صيرني في حجرة , وكنت عنده على ماأحبه من مطعم ومشرب وملبس , لايسألني عن شيء من حالي , إلا أنه يركب في كل يوم ركبة , فقلت له : " أراك تدمن الركوب ففيم ذلك ؟    
قال : ابراهيم بن سليمان قتل أبي , وقد بلغني أنه مختفٍ , فأنا أطلبه لأدرك منه ثأري , فكثر والله تعجبي , وقلت :" القدر ساقني إلى حتفي في منزل من يطلب دمي , وكرهت الحياة , فسألت الرجل عن اسمه واسم أبيه فأخبرني , فعلمت أن الخبر صحيح , وأنا الذي قتل أباه , فقلت له : " ياهذا قد وجب عليّ حقك , ومن حقك عليّ أن أدلك على خصمك , وأقرّب إليك الخطوة " قال : " وما ذلك ؟ قلت: انا ابراهيم بن سليمان قاتل أبيك فخذ بثأرك . فقال : إني أحسبك رجلاً قد مضه الاختفاء فأحب الموت , فقلت : " لاوالله ولكن أقول لك الحق : يوم كذا وكذا , وبسبب كذا وكذا , فلما علم صدقي تغير لونه , واحمرّت عيناه , وأطرق ملياً ثم قال : أما أنت فستلقى أبي عند حكمٍ عدلٍ , فيأخذ بثأره , وأما أنا فغير ناقض عهدي , فأخرج ْعني , فلستُ آمنأً عليك من نفسي . وأعطاني دنانير , فلم آخذها منه , وانصرفت عنه فهذا أكرمُ رجل رأيته بعد أمير المؤمنين ,
(قصص العرب)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة