طفل أنابيب / للأستاذ ابراهيم العمر /

طفل أنابيب - ٦٠

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنا، يا سيدتي، قد ابتلعتني الأيام ،
أنا سحقتني أنياب الدهر،
أنا تائه في أحشاء القدر،
أنا طفل أنابيب أتسّكع في مجاري المدينة .
أنا أسري في الليل وأتهادى في السكينة،
أنا، يا سيدتي، لا أنمو في الأضواء ،
أنا، يا سيدتي ، خرخرة في الهواء ،
أنا أعيش على الضفاف في ليالي السهر 
أنا جزء من هذا الجفاف الذي يعانق النهر ،
أنا صقلت روحي رقرقة المياه بضمّات الحب والحنين ،  
كما صقلت الحصى قبلات الجدول على مرّ السنين ،
أنا ستائر الظل التي تنسدل عند المساء .   
أنا يعانقني هذا الغدير كما يعانق عروق الجرجير . 
أنا نقنقة ضفادع الصيف على خطوات المشاوير . 
أنا حفيف أوراق الشجر على أرصفة الكوابيس ،
أنا تمايل الأشباح على ضوء شعلة الفوانيس .
أنا نظرات الذعر في اقتحام الوباء . 
أنا لهيب الشوق في نيران الفناء .
أنا الدماء الساخنة في كل الجروح ،
أنا وخز الشوك في الكبد المقروح . 
أنا أعيش في عمق الجرح ولا أتخطى حدود الألم ،    
أنا ماض بدون ذاكرة ؛
أشعر بالذنب ولا أشعر بالندم . 
أنا لست داخلا ولست خارجا ،
أنا أحيا على عتبة العدم . 
أنا هالة من غبار ،
أعيش في قلق وانتظار ،
أعيش حالة خوف دائم من هبّة هواء،
تبعثر كياني في طيّات الوهم ،
وتعيد تشكيل خلايا جسدي لتملأ وعاء الفراغ .  
وتزرع في رأسي قوانين الغربة في زمن الاغتراب،
وأساليب الكواسر في عصر العنف والإرهاب.   
أنا أمشي في الشوك هائما على الورد في حدائق السراب .
أنا حفنة من لا شيء وسط انشطار،
أعيش على بقايا صور وأفكار .
أنا أبحث عن معان بدون أشكال وبدون ألوان،
وأتبعثر في أشكال حروف وكلمات بدون لغة وبدون تعابير.
ــــــــــــــــــــــ
إبراهيم العمر.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة