الحب غاية / للدكتور عمر العلوش /

(الحب غاية)

كل الذين ركضوا خلف قلوبهم تمزقوا. هكذا يقين العاشقين، ولكل حالم ألقى بنفسه في التيه، مؤمناً بأن النداء الذي يهزه من الداخل هو الحقيقة المطلقة، وأن الخطى نحو السراب ستفضي إلى ماء. لكن، هل وصل أحدهم؟

الحكاية نفسها، تعيد صياغة ذاتها بألف وجه، بألف صوت، لكن نهاياتها متشابهة. كل الذين سلموا زمامهم لخفقانٍ عابر، وجدوا أنفسهم في نهاية المطاف مبعثرين، متروكين على قارعة الخيبة، ورصيف الوجع، يلملمون أشلاء أرواحهم كما يلم طفل زجاجة تحطمت.

ليس الحب وحده ما يمزق الإنسان، بل الركض خلفه. العشق في حد ذاته لا يؤذي، لكنه يتحول  إلى جرح نازف حين يسبقك بخطوة، تلهث خلفه، تطارده كخيط دخان، فلا تصل إليه ولا بإمكانك العودة، وإن تشقق القلب من اللهفة. تجري، بكل هشاشتك، بكل جوعك القديم، ترمي بنفسك في النار ظناً أنّها دفء، ونكتشف متأخرين أنها فقط تحرق.

وهناك من توقف في منتصف الطريق، أدرك أن الركض خلف شيءٍ يهرب منه دائماً ليس إلا هزيمة مؤجلة، فاستدار، وعاد بلا شيءٍ إلا الحكمة. لكن، من ذا الذي يتعلم قبل أن يتمزق؟ من ذا الذي يملك رفاهية التراجع قبل أن يصبح القلب ندبة ممتدة؟

أما نحن، فلا نحب لمجرد الحب، بل نحب لأن في الحب وعداً بالخلاص، لأن في الحبّ نداء خفياً يقول: تعال، هنا لن تكون وحيداً. نركض خلف قلوبنا وإن تمزقت ، ذلك بأننا بيقينٍ لم يدركه غيرنا، بأننا أتينا الوجه المطلق منكسرين لا كاسرين، جئناه بقلب نازف حرّقه الشوق، عانقنا الأفق المتعال العناق الأخير... فأيُّ سموٍّ بعده...

✍️ بقلمي: عمر أحمد العلوش

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة